بين تفاصيل الطفولة ومشهد اليوم وعظمة الجبال وهدير البحر القادم من المدى المفتوح، المطرز بسيرة السفن والأنفس وقوة السواعد على المجاديف، هناك، في رأس الخيمة، حيث تفاصيل عميقة، مفرحة وحزينة، أخذني الحنين في لحظة إلى الغناء الإماراتي الجميل، إلى الأصوات التي انتشت بها الآذان، ورقت لها القلوب وطببت الأنفس.. فهممت في البحث عن «محل تسجيلات»، عن محل في ظل هذا الطوفان من الغناء الجديد، والمحال المتأنقة بأقراصها المدمجة، حيث ضاع معظم القديم من الغناء، انحسرت «الأشرطة»، ولم نعد نعرف لها درباً واضحاً، هناك قادني القدر إلى أحد أقدم محال بيع الأشرطة، عندما دلني أحدهم إلى المكان الذي انزوى فيه محل «تسجيلات رأس الخيمة»، الموقع كان في قطعة محشورة بين بنيان قديم متهالك في رأس الخيمة القديمة، حيث السوق ونقطة شرطي المرور الذي كان ينظم السير بحركات من يديه وصافرته التي لا تسكت لثلاثة ممرات سير منذ السبعينات والقائمة حتى اليوم، إلا أن الشرطي قد هجر نقطته منذ سنين، وقطعة الأسمنت التي كان يقف عليها قد أزيلت. هناك في محل «التسجيلات» القديم ببابه الخشب المتهالك والمصبوغ باللون الأبيض الذي بدا تآلفاً، والستارة بقماش «الكنفس» والرفوف المصنوعة من خشبٍ عتيق، هناك يرزح تاريخ من الغناء الإماراتي، يعود على أقل تقدير إلى ما قبل قيام الدولة، وكذلك الجيل الذي تشكل وبرز في مرحلة الاتحاد، والذين يمكن أن نتذكر منهم الراحلة موزة سعيد، وعلي أبوالروغة، والراحل جابر جاسم، وسالم عثمان، وإبراهيم الماس، ومروان الخطيب، وعبدالله بالخير، ومحمد النوبي، ومنى حمزة، وعبد الله حميد الذي غادرنا بصمت قبل أيام من دون أن يعرفه أحد من الجيل الجديد، مثل الكثير من الأسماء التي غيبها النسيان عن الذاكرة، بفعل التجاهل الذي يعود لأسباب عديدة، وما حدث لعبد الله حميد في سنواته الأخيرة من تعسف وظيفي هو أمر معيب، وكان يجب محاسبة من ساهم في أن يؤذي شيئاً من جمالنا. في ذلك المحل الآيل للنفي، كنز لا يعرفه صاحبه، على الرغم من تقديره لما يملك، وإصراره على مزاولة مهنة، تعد مندثرة في عرف الحداثة التي اجتاحت كل شيء، إلا من عدد قليل جداً من المحال المتوزعة في مناطق مختلفة من الدولة. وهنا أتساءل من ينفض الغبار عن تاريخ الغناء الإماراتي؟ لماذا لا تتدخل وزارة الثقافة، وتقوم بدور توثيقي وطني لكل الغناء، الذي سجل في أسطوانات أو في أشرطة (كاسيت)، أن يجمع كل ذلك الغناء، ويعاد نسخه في أقراص مدمجة، قابلة لأن تستمر في الزمن، مشروع يعتني بتأسيس مكتبة صوتية حديثة لكل الإبداع الصوتي، مشروع يحفظ أصوات مغنينا وكلمات شعرائنا وألحان ملحنينا حاضرة ومتجددة، مع الاحتفاظ بكل الحقوق الأدبية والمادية والتقدير لهم. saad.alhabshi@admedia.ae